الدعوة عامة

الأربعاء، 26 يناير 2011

من تسريبات ويكيليكس إلى وثائق الجزيرة.. معلومات تغير الحسابات السياسية
الجزيرة وويكليكس
عندما نشر موقع ويكيليكس إحدى وثائقه السرية، التى وردت على لسان رئيس الموساد الإسرائيلي ووصف قناة الجزيرة القطرية، بأنها قد تكون السبب القادم للحرب فى الشرق الأوسط، وأن بعض القادة العرب على استعداد لاتخاذ خطوات قاسية لإغلاق القناة، لم يكن ذلك من فراغ، وإنما جاء من معايشة لواقع ما تقوم به القناة القطرية.
القضية الأهم ليست فى إمكانية تسبب قناة الجزيرة، أو موقع ويكليكس نفسه، فى إشعال نار الانقلابات فى بعض البلدان التى تتسرب عنها وثائق سرية، وحساسة، تتعلق بمسئوليها، وإنما القضية تنحصر فى عدة تساؤلات مازالت تبحث عن إجابة أهمها: هل تستحق وثائق ويكليكس وتسريبات الجزيرة خاصة المتعلقة بالشأن الفلسطينى كل هذه الضجة التي أثارتها عالميا؟ أم أنها زوبعة في فنجان سيزول كل أثر لها بعد أيام؟ وهل في هذه الوثائق ما هو جديد وغير متداول قبل نشر الوثائق؟ وما الأطراف المتضررة من نشرها؟ وأيضا.. ما الأطراف المتسببة فى تسريبها.. وماذا ستستفيد مما تم نشره وتسريبه؟
بتدقيق النظر فى محتوى الوثائق، خاصة المتعلقة بالشرق الأوسط ، مع افتراض أنها صحيحة وسرية، يتضح أن غالبيتها عبارة عن تقارير ومراسلات لدبلوماسيين أمريكيين وأوروبيين تتحدث عما سمعوه أو عن وجهات نظرهم في القضايا المطروحة وبالتالي لا تعبر عن مواقف رسمية مؤكدة، كما أنها معلومات تعبر عن حقيقة السياسة الدولية، فهي ليست غريبة عن المُلم بالسياسة الدولية ولكنها قد تثير عجب من يتعامل مع السياسة كعالم من المثل والقيم الأخلاقية.
وغالبية ما ورد فى الوثائق ليس بالأمر الخفي، فمثلا لو قرأ أحد بدقة إحدى هذه الوثائق ، سيتضح له أنه ليس غريبا أن تطلب الإدارة الأمريكية من سفرائها ومن أجهزة استخباراتها معلومات عن الأمين العام للأمم المتحدة أو عن قيادات وأحزاب سياسية كحركة حماس وحزب الله، فهذا ليس بالأمر المستهجن ولا بالكشف الجديد فكل دولة في العالم معنية بجمع معلومات عن دول العالم وقادتها وعن الأحزاب السياسية الناشئة، فالدول تتجسس حتى على حلفائها فكيف نستغرب أن واشنطن تجمع معلومات عن الأمين العام للأمم المتحدة أو عن حماس أو رجال السلطة الفلسطينية؟.
الغريب أنها قد تفاعلت تسريبات وثائق عن المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية على أكثر من صعيد عربي وفلسطيني وعالمي، وفي حين سارعت الولايات المتحدة لاحتواء الآثار الدبلوماسية الناجمة عن التسريب، خاصة بعدما أبرزت الوثائق التي بثتها قناة الجزيرة تقديم المفاوضين الفلسطينيين تنازلات كبيرة لإسرائيل وهو كشف يعقد الجهود الرامية إلى استئناف جهود السلام.
حول الأمر نفسه، سألنا الخبير الإستراتيجي اللواء الدكتور زكريا حسين المدير الأسبق لأكاديمية ناصر العسكرية العليا، والرئيس الأسبق لهيئة البحوث العسكرية، وأستاذ العلوم الإستراتيجية بجامعة الإسكندرية، عن مدى تأثير تسريبات الجزيرة على المفاوضات الفلسطينية –الإسرائيلية مستقبلا ، فرد بإجابة تحمل فى مضمونها التعجب، وقال: لا يوجد حوار بين فلسطين وإسرائيل من الأساس حتى يمكن أن تعطله تسريبات الجزيرة ، فاتفاق أوسلو تم توقيعه عام 1993، وعاش ومات الرئيس الفلسطينى السابق ياسر عرفات ولم يأخذ حق الفلسطينيين ، والرئيس الحالى عباس أبو مازن له لقاءات دورية مع رئيس الوزراء الإسرائيلى ولم يتوصل إلى حل.
القضية ليست تسريبات ، والجانب الإسرائيلى ليس لديه ما يعطيه لفلسطين ، خاصة حكومة نيتانياهو ، وكل مافى التسريبات أنها أظهرت للمجتمع العربى أن هناك تنازلات بواسطة القيادات الفلسطينية ، ولم يقابلها الجانب الإسرائيلى بأى استجابة ، هذا ما أشار إليه الخبير زكريا حسين.
سألناه عن توقعاته حول هوية من قام بتسريب الوثائق لقناة الجزيرة، فأجاب: قد يكون موقع ويكيليكس نفسه ، أو أى أحد من الجانب الفلسطيني ، لأن بعضهم يعمل مرشدا لإسرائيل ، لكن بعيد عن هذا وذاك ، هناك واقع معلوم اسمه تنازلات فلسطينية، فاتفاق أوسلو وحده ، به تنازلات ليست لها حدود ، منها تأجيل القضايا الرئيسية التى تمس جوهر القضية الفلسطينية ، مثل مشكلة القدس واللاجئين والمياه والمستوطنات ، إلى مرحلة مابعد التفاوض النهائى التى لم – وتقريبا لن- تأت بعد.
وعن الشأن التونسي ، ومدى تسبب وثائق ويكيليكس فى إشعال الثورة التونسية ، برأ الخبير الإستراتيجى هذه الوثائق مما نسبه البعض إليها من كونها أحد أسباب الانقلاب فى تونس ، ووجه كلامه لمن يزعمون أنها السبب، وقال: "بلاش نبحث عن شماعة من الخارج لتعليق أخطائنا عليها ، فالشعوب العربية عايشت ما يوجد بالتسريبات قبل تسريبها إليهم".
فى موازاة ذات الموضوع ، استبعد السفير الدكتور عز الدين شكرى مدير البرنامج العربى الإسرائيلى بمجموعة الأزمات الدولية سابقا ، وأستاذ السياسة بالجامعة الأمريكية ، تعطيل تسريبات الجزيرة المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية ، لكنه عاد وأكد أن ما نشرته الجزيرة من تسريبات ما هو إلا "هيصة ملهاش لازمة".
أحيانا تكون الوثائق والتسريبات بالونة اختبار للرأى العام مما هو مخطط فعله مستقبلا ، بهذا التوصيف نظر السفير عز الدين إلى ماهو وراء التسريبات ، لكنه أكد أنه لا توجد مفاوضات حتى يمكن تعطيلها ، وقال: "التنازلات بالوثائق كانت فى عهد أولمرت ، أما عباس فى هذا التوقيت فموقفه حساس بشأن ما تم تسريبه".
ثورة تونس فجرها شعب ، ولم تحركها وثائق أو تسريبات ، هذا ما يراه الدكتور عز الدين، حيث قال فى هذا الشأن، إن الشكوك الموجودة لدى الرأى العام فى أى دولة ، أكبر مما هو موجود على صفحات الوثائق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق